تأليف: عماد الدين عثمان البنتني
الشيخ معروف أمين البنتني أضاف النهضية الى أهل السنة والجماعة والنهضية نسبة الى جمعية نهضة العلماء بمعنى أن المراد بأهل السنة والجماعة هنا هي التي اختارها علماء النهضيين وهي أهل السنة والجماعة التي على مذهب الامام ابي حسن الأشعري و الامام ابي منصور الماتردي. وذالك لان العلماء اتفقوا علي انه إذا أطلق أهل السنة فالمراد بها مذهبهما. ولما ادعى الوهابية والداعش وغيرهما من المتطرفين انهما من اهل السنة والجماعة والحال انهما لا علي مذهبهما فاحتيجت الاضافة والتقييد لان لا يلتبس الناس.
قال الشيخ معروف أمين البنتني ان لاهل السنة والجماعة النهضية فكرة وحركة وعملية.
فاما فكرتها فعلاماتها ثلاث: توسطية وتطورية ومنهجية. واما حركتها فعلاماتها اربع: تليُّني وتطوعي وتسامحي و تراحمي. واما عمليتها فهي في الفقه على احد المذاهب الاربعة وفي العقيدة على الأشعرية والماتردية وفي التصوف على تعاليم الامام الجنيد البغدادي و الامام ابي حامد الغزالي. وهانا اشرحها باختصار مقنع.
الفكرة التوسطية التي قصدها الشيخ معروف امين البنتني كما بين في مواضع من المحاضرات انها فكرة لا نصي فيها ولا ليبرالية اي لا تتوقف بالجمود على المنقولات و لا تتجاوز عن مناهج العلماء القدماء وقواعدهم.
قال الشهاب القرافي في الفروق ، ما نصه: “الجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين”. قال الدكتور نوار بن الشلي هذه القاعدة مقتضى كلام الأئمة المحققين، والمراد بها أن في نصوص الشريعة ما ليس قطعيا ولا ثابتا بإطلاق، فيحتاج في فهمه وتنـزيله إلى مراعاة المقاصد والكليات، ولو أدى ذلك إلى أن تختلف نتيجة الحكم المستنبط منه عما تقرر من قبل. فإذا التزم الفقيه حرفية النص وظاهره غافلا عن غايات الشريعة وما تقتضيه من تحقيق المصالح، كان مجانبا للعدل بعيدا عن التوسط. وقد يعبر بعض العلماء عن هذا المعنى بثبات الأحكام ومرونتها في الشريعة، وهو أحد المعاني المترتبة عن التفريق بين القطـعيات والظنيات، كما شاع التعبير عنه على ألسنة الفقهاء بأنه: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان. قال بعض العلماء لا ينبغي أن نجعل أكبر همنا مقاومة كل جديد، وإن كان نافعا، ولا مطاردة غريب وإن كان صالحا، وإنما يجب أن نفرق بين ما يحسن اقتباسه وما لا يحسن، وما يجب مقاومته وما لا يجب، وأن نميز بين ما يلزم فيه الثبات والتشدد، وما تقبل فيه المرونة والتطور.
ومعنى هذا أن نميز بين الأصول والفروع، بين الكليات والجزئيات، بين الغايات والوسـائل، ففي الأولى نكون في صلابة الحديد، وفي الثانية نكون في ليونة الحرير، كما قال إقبال ، رحمه الله: «مرحـبين بكل جديد نافع، محتفظين بكل قديم صالح». [ ص: 188 ] ومن هنا يجوز لنا أن نقتبس من أنظمة الشرق أو الغرب، ما لا يخالف عقيدتنا وشريعتنا، مما يحقق المصلحة لمجتمعاتنا، على أن نصبغه بصبغتنا، ونضفي عليه من روحنا، حتى يغدو جزءا من نظامنا، ويفقد جنسيته الأولى، كما رأينا ذلك فيما اقتبسه المسلمون في العصور الذهبية من الأمم الأخرى».
قال الشيخ احمد الزرقاء: يقرر الفقهاء أن الأحكام الشرعية قابلة للتغيير والتبديل، فما كان جـائزا بالأمس قد يمنع اليوم، وما هو ممنوع اليوم قد يجـوز غدا إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وقد عبروا عن هذا المعنى بقولهم: «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان»
وإذا كان الإقرار بإمكانية تبدل الأحكام مدعاة لدخول الهوى والانحراف عن جادة الشـريعة باتخاذه مطية للمخالفة كما يمكن أن يتصوره بعض الفقهاء، فإنا نبادر إلى القول: إن هذا التغـير ليس على إطلاقه، بل أحكام الشريعة نوعان نوع لا يتغير عن حالة واحدة، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم، ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد مخالف لما وضع عليه.
وصرح الشيخ معروف امين ان الفكرة الليبرالية ليست فكرة اهل السنة والجماعة النهضية في منهج اجتهادها لان الليبرالية خرجت عن حد الوسطية حيث ردوا النصوص الشرعية المخالفة لهواهم وردوا كونها من الشرع بحجة أنها تتعارض مع المصلحة محتجين بقول بعض العلماء “حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله” ووضعوه في غير الموضع الذي عناه به العلماء ومن ذلك أنهم استحلوا الربا بحجة أن فيه مصلحة للاقتصاد، وردوا النصوص الشرعية الدالة على تحريمه إما ردا صريحا، أو بتأويلها، أو بتخصيصها بالأزمان المتقدمة, واستحلوا كثيرا من البيوع المحرمة بحجة وجود المصلحة فيها، ولم يعبؤوا بما فيها من مخالفات شرعية تقضي ببطلان عقدها, وغير ذلك كثير؛ ولذا قال الشيخ معروف امين ان الفكرة النهضية ولو كانت قابلة لهذا القول في اجتهادها ولكن قيدت المصلحة بما لا تخالف شرع الله مستندا بقول بعض العلماء: حيثما وجد شرع الله فثم المصلحة.
قال الشيخ يوسف القرضاوي: أما العبارة التي تتردد على كثير من الألسنة والأقلام اليوم، والتي تقول: “حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله” فلا تؤخذ على إطلاقها، وإنما تقبل فيما لم يحكم فيه نص صحيح صريح، وهذا هو مجال المصلحة التي عرفت لدى الأصوليين بـ “المصلحة المرسلة” وهي التي لم يرد نص شرعي خاص باعتبارها ولا بإلغائها، وقد اشترط للعمل بهذه المصلحة شروط، أولها وأهمها: ألا تعارض نصا محكما، ولا قاعدة قطعية، وإلا كانت مهدرة ملغاة. ومن هنا تكون المصلحة المصادمة للنصوص القرآنية، أو النبوية، مصلحة ملغاة ومهدرة؛ لأن النص هو الواجب الاتباع، وهو المتعبد به، كما قال تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) [سورة الأعراف:3] (وإن تطيعوه تهتدوا) [سورة النور:54] (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [سورة النور:63] والواقع أن المصلحة المصادمة للنصوص، لا تكون ـ عند التأمل العميق، والتحليل الدقيق ـ مصلحة حقيقية، بل هي مصلحة موهومة، زينها لصاحبها القصور، أو الغفلة أو الهوى، أو التقليد للآخرين … اهــ. وإذا كان بعض الناس يقول: حيث توجد المصلحة فثم شرع الله، فهذا صحيح فيما سكت عنه الشارع، وتركه لاجتهادنا وعقولنا. أما فيما عدا ذلك فالصواب أن نقول: حيث يوجد شرع الله فثم المصلحة. اهــ.
قال الامام الحرمين: القياس مناط الاجتهاد واصل الرأي ، ومنه يتشعب الفقه ، وأساليب الشريعة ، وهو المفضي إلى الاستقلال بتفاصيل أحكام الوقائع ، مع انتقاء الغاية والنهاية ، فان نصوص الكتاب والسنة محصورة ، ومواقع الإجماع مأثورة فيما ينقل منها تواترا ، فهو المستند إلى القطع ….، ونحن نعلم قطعا أن الوقائع التي يتوقع وقوعها لا نهاية لها والرأي المبتوت المقطوع به عندنا انه لا تخلو واقعة عن حكم الله تعالى متلقى من قاعدة الشرع ، والأصل الذي يسترسل على جميع الوقائع القياس، وما يتعلق به من وجوه النظر والاستدلال ،
وصرح الشيخ معروف امين البنتني ان مما تستخدمه الفكرة النهضية في الاجتهاد ما يعبره العلماء بتحقيق المناط وهو كما عرفه الشَّاطبي: بأن يثبت الحكم بمدركه الشرعي، لكن يبقى النظر في تعيين محله.
وتحقيق المناط له صورتان:
الصورة الأولى: تطبيق القاعدة العامّة في آحاد صورها وحينئذ يكون تحقيق المناط بعيدا عن القياس وهذا التعريف هو الذي مال إليه الغزالي في كتابه المستصفى. مثال ذلك: قاعدة العدل في قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِـالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِى الْقُرْبَى} فتعيين ولي الأمر العدل يعتبر تحقيقاً للمناط لأنّك طبّقت القاعدة العامّة وهي العدل في آحاد صُورها وجزئيّاتها وهو تعيين أولياء الأمور، ونصب القضاة.
وكذلك في قوله تعالى {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فلو قتل شخصٌ حماراً وحشياً فعليه بقرة لأنّها تشبه الحمار الوحشي فهذا تطبيق للقاعدة العامة في مسألة معيّنة.
الصورة الثانية: إثبات علّة متّفق عليها في الأصل في الفرع لإلحاق الفرع بالأصل وهذا ما أشار إليه صاحب مراقي السعود بقوله:
تَحقِيقُ عِلَّةٍ عَلَيْها ائْتُلِفا … في الْفَرْعِ تَحْقيقُ مَناطٍ اُلِفا
وهذا التعريف أدقّ من التعريف الأوّل فالعلّة المتفق عليها في الأصل إذا أثبتناها في الفرع فهذا هو تحقيق المناط مثال ذلك:
علّة الربا في المطعومات عند مالك هي الاقتيات والادّخار وكان الإمام مالك رحمه الله بالحجاز، وكان التين عندهم غير مقتاتٍ مدّخرِ؛ فلذلك لا يجري فيه الربا فلمّا ذهب تلاميذ الإمام مالك إلى الأندلس وجدوا أنّ التين يُقتات ويدّخر فأثبتوا العلّة التي هي الاقتيات والادّخار في الفرع الذي هو التين من باب تحقيق المناط، وقد اثبتوا رواية عن مالك في ربويته.
وقد ذهب خليل في مختصره إلى أن التين غير ربوي؛ ولعله لم يكن مدخرا في مصر في ذلك الأوان. ونصه: “لا خردل وزعفران وخضر ودواء وتين وموز وفاكهة ولو ادخرت بقطر
كذلك لو جزمنا إنّ العلّة في الذهب والفضة هي الثمنية ثمّ وجدنا أنّ النقود الورقية أصبحت ثمنا للأشياء فحينئذ نقوم بتحقيق المناط ونثبت العلّة الثابتة في الأصل في الفرع الذي تنطبق عليه فعملية تحقيق المناط عبارة عن البحث عن الواقع وملاحظة هذا الواقع حتى نطبّق عليه حكم الأصل. والفرق بينها وبين القياس أنك لا تلحق فيها بأصل معين، بل تنزل الحكم بناء على العلة التي أصبحت بمنزلة الكلي.
وقال الشاطبي: الاجتهاد على ضربين: أحدهما لا يمكن أن ينقطع حتى ينقطع التكليف وذلك عند قيام الساعة، والثاني يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا. فأما الأول فهو الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط، وهذا الذي لا خلاف بين الأمّة في قبوله ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي، لكن يبقى النظر في تعيين محله.
فالحاصل ان التوسط في الفكرة النهضية عند الشيخ معروف امين البنتني هو ما ليس جمودا بالنص اذا طرأ الواقع الذي لم يقطع النص بصحته ولا ببطلانه حتى لا يكون له جواب، ولا ليبراليا حتى تكون المصلحة مقدمة على النص، بل أخذت بالنص اذا وجد وبالقياس والاجتهاد اذا لم توجد. و هذا الذي عبره بالتطورية والمنهجية.
ثم انتقلت الي فكرة الشيخ معروف امين البنتي في حركة اهل السنة والجماعة النهضية واعبر عنها بالحركة النهضية عندما قال بان علامتها اربع: تليُّنية وتطوعية وتسامحية و تراحمية.
فالتلين هوما ليس فيه فظ ولا غليظ مأخوذ من قوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (ال عمران: 159)
قال السعدي: أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك. { ولو كنت فظا } أي: سيئ الخلق { غليظ القلب } أي: قاسيه، { لانفضوا من حولك } لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ. فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟! أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات، الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم، من اللين وحسن الخلق والتأليف، امتثالا لأمر الله، وجذبا لعباد الله لدين الله.
والتطوعية ما ليس فيها اكراه ولا اجبار وهي مأخودة من قوله تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( البقرة: 256)
يقول تعالى : ( لا إكراه في الدين ) أي : لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا . وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار ، وإن كان حكمها عاما .وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كانت المرأة تكون مقلاتا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده ، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا : لا ندع أبناءنا فأنزل الله عز وجل : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) وقد رواه أبو داود والنسائي جميعا عن بندار به ومن وجوه أخر عن شعبة به نحوه . وقد رواه ابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه من حديث شعبة به ، وهكذا ذكر مجاهد وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وغيرهم : أنها نزلت في ذلك. وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد الجرشي عن زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد [ بن جبير ] عن ابن عباس قوله : ( لا إكراه في الدين ) قال : نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له : الحصيني كان له ابنان نصرانيان ، وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية ؟ فأنزل الله فيه ذلك .
والتسامحية تعني: المساهلة، وتسامحوا: تساهلوا، وتأتي بمعنى السهولة والانقياد. والتسامح اصطلاحا: هو التجاوز والعفو، وهو من دعائم العلاقات الإنسانية الإسلامية، فالتسامح في الاصطلاح له معنيان: الأول بمعنى العفو؛ كالعفو عن مبلغ من المال، أو مسامحة الشاتم وشبه هذا، والثاني بمعنى الملاطفة واللين والرفق، والبعد عن التفحش، والغلظة والعنف.
قال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). قال الله -تعالى-: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ). فقد أمر الله -تعالى- بالتّسامح والإعراض عن الجاهلين وغضّ الطّرف عن الإساءة عمّا قد يتعرّض له المسلم من صور الأذى المختلفة بعد إقامة المعروف والدعوة إليه. وتجدر الإشارة إلى أنّه ينبغي للمسلم أن يكون منطلقه وباعثه في التّحلّي والاتّصاف بالتّسامح هو طاعة الله -تعالى- ونيل مرضاته، وذلك لقوله -تعالى-: (بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
إنّ التّسامح الدينيّ والفكريّ له ثلاث درجات، وبيانها فيما يأتي: إعطاء المخالف حريّة الدّين والعقيدة، وعدم فرض أيّ نوع من العقوبات عليه؛ كالموت أو النّفي ونحوهما جرّاء ما يتبنّاه من القناعات والعقائد. ومن مظاهر التسامح الديني والفكري: فتح المجال أمام المخالف لممارسة واجباته الدينيّة دون التضيّيق عليه، بحيث لا يُمنَع من فعل واجبٍ أو ترك مُحرّمٍ في عقيدته؛ كعدم تكليف اليهودي بالعمل يوم السبت لاعتقاده حرمة ذلك، وكذلك عدم منع النّصراني من الذّهاب إلى الكنيسة يوم الأحد لاعتقاده بوجوب ذلك. وإعطاء المخالف حريّة الدّين والعقيدة وفتح المجال أمامه لممارسة شعائره الدينية التي يعتقد حلّها وإباحتها في دينه، وإن كانت مُحرّمة في الإسلام، على الرّغم من إمكانية منعه منها لكون إباحتها في دينه لا تقتضي بفرضها عليه. فلو عَمد الإسلام إلى منع النّصارى من شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير، لم يكن عليهم حرج ديني في منعهم من ذلك لكون هذه الأمور من المباحات في دينهم لا من الواجبات، ومع ذلك لم يقضي الإسلام بالتضييق عليهم فيما يعتقدون حلّه في دينهم، وهذه أعلى درجات التّسامح الدينيّ والفكريّ.
والتراحمية نسبة من التراحم بين الخلق يعني نشر الرحمة بينهم، يعني التآزر والتعاطف والتعاون، يعني بذل الخير والمعروف والإحسان لمن هو في حاجة إليه. وهي مأخوذة من مواضع في القرآن منها قوله تعالى (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) فوصفهم الله -تعالى- بأنّهم يتواصون فيما بينهم بأن يكونوا رحماء على بعضهم فالرحمة والتراحم وصية المؤمن لأخيه، ودعاؤه له ، وحثّ الله -تعالى- المسلمين في كتابه أن يعينوا بعضهم ويتصدقوا على فقيرهم ويرحموا ضعيفهم في كثير من الآيات الكريمة، منها قوله -تعالى-: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، والإحسان إلى هذه الفئات من الأقارب والمجتمع من أرقى أنواع التراحم والتعاطف، الوالدين والأقارب والمساكين والجيران والأصحاب والمسافر الذي انقطعت به السبل، فاشتملت الآية على أكثر أصناف الناس حاجةً للتراحم والتعاطف.
وجاءت أحاديث كثيرة عن التراحم منها ما يأتي: عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى). عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ، ارحموا أهلَ الأرضِ، يرحمْكم مَن في السماءِ). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ).
Dr. Sugeng Sugiharto di-Demosi oleh BRIN karena Bicara Nasab Klan Habib Baalwi?
Penulis: Kgm. Rifky ZulkarnaenPenulis memperoleh informasi bahwa Dr. Sugeng Sugiharto di-demosi (penurunan jabatan dan tunjangan kinerja) oleh kantor tempat beliau...
Read more